
في لبنان، لا تنتهي مرحلة حتى تُزاحمها مرحلة أخرى، دون فسحة للتأمل أو التقييم.
فما إن هدأت أصوات القصف، حتى امتلأت الشوارع والطرقات بصور المرشحين للانتخابات البلدية والاختيارية.
مشهد يثير الدهشة، لا لأن الانتخابات أمر غير مشروع، بل لأن الانتقال السريع من حالة الحرب والحداد إلى أجواء الترشح والابتسامات يوحي بانفصام جماعي أو قدرة خارقة على التكيّف… أو ربما هروب من الواقع.
صُوَر الشهداء التي ملأت الجدران قبل أيام اختفت فجأة، وكأن التهديدات الإسرائيلية لم تعد قائمة، وكأن الأرض لم تزل محتلة، وكأن الأسرى قد عادوا.
أما الحقيقة، فهي أن الوضع الأمني لا يزال هشًّا، والضباب يخيّم على الأفق السياسي، في وقتٍ تُزجّ فيه البلاد في موسم انتخابي، وكأن لا شيء يُقلق.
ليست المشكلة في إقامة الانتخابات، بل في خلط المراحل: نعيش الحرب والدبلوماسية والانتخابات والانهيار الاقتصادي في آنٍ واحد.
وهنا تكمن الخطورة… إذ لا يمكن لشعب أن يعالج كل هذه الملفات المعقّدة دفعة واحدة دون أن يدفع ثمناً باهظاً.
اللبناني لا “ينتقل” من حالة إلى أخرى، بل “يُدمج” كل الحالات، ويعيشها بتزامن، ما يُعمّق الأزمات بدل أن يحلّها.
ووسط كل هذا، يُعلّق آماله على ابتسامة مرشح أو وعود عابرة، سرعان ما تتبخر، ليعود إلى الواقع المُرّ، أعزلَ من أي أداة تغيير، ومتّكلاً على الله… وعلى الآخرين.
ليست هذه بطولة، بل دورة من الإنكار يجب كسرها.
فالانتقال الحقيقي يبدأ عندما نواجه المرحلة السابقة، ننهيها، ثم ننتقل إلى ما بعدها، لا أن نراكم فوق جراحنا جراحاً جديدة.

