جعجع يفاجئ الساحة السياسية بدعمه لحكومة سلام

شكّلت الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى السراي الكبير وإشادته برئيس الحكومة نواف سلام، محطة بارزة في المشهد السياسي اللبناني، بعد فترة من التوتر والانتقادات الحادة التي وجّهتها “القوات” للحكومة، رغم مشاركتها فيها. هذا التحوّل المفاجئ فتح الباب أمام تساؤلات حول أسبابه وأبعاده وانعكاساته.

يرى مراقبون أن هذا التبدّل في الموقف يرتبط بعدة عوامل أساسية، أبرزها تشديد جعجع على ضرورة التزام جميع الأطراف بقرار الحكومة القاضي بحصر السلاح بيد الدولة. وقد أدرك أن تجاهل هذا المسار قد يجعله خارج السياق السياسي، خاصة وأن الحكومة بدأت تحصد دعماً عربياً ودولياً واسعاً لهذا القرار، ما انعكس مباشرة على حساباته.

انعكاسات على الشارع السني

إشادة جعجع بالحكومة لم تمر من دون ردود متباينة في الشارع السني. فبينما اعتبرها البعض خطوة إيجابية نحو الاستقرار، أبدى آخرون حذراً شديداً في التعاطي معها، انطلاقاً من خلفيات تاريخية تتعلق بعلاقة “القوات” بمسيرة سعد الحريري وبأحداث دامية لا تزال حاضرة في الذاكرة، منها قضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رشيد كرامي التي حوكم فيها جعجع قبل أن يُعفى عنه لاحقاً. هذه الخلفيات تجعل جزءاً من الشارع السني يتعامل بتحفظ مع أي تقارب سياسي جديد مع “القوات”، حتى ولو كان في إطار دعم الحكومة.

البُعد الإقليمي والدولي

لا يقتصر تأثير الموقف الجديد على الداخل اللبناني فقط، بل يمتد إلى الساحة الإقليمية والدولية، نظراً لعلاقات جعجع الوثيقة مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. ويُقرأ هذا الدعم في إطار رسائل سياسية خارجية تُظهر وجود قبول عربي ودولي متزايد لحكومة سلام. ومع بروز ملف حصر السلاح في يد الدولة، يسعى جعجع للاستفادة من المناخ الدولي المؤيد للحكومة، وعدم ترك الساحة لخصومه السياسيين.

انعكاسات على موازين القوى

عودة “القوات” إلى الانخراط الإيجابي في العمل الحكومي قد تعيد رسم موازين القوى داخل السلطة التنفيذية، إذ من المتوقع أن يعتمد وزراؤها سياسة منسقة لزيادة حضورهم وتأثيرهم. هذه العودة تمنح الحزب فرصة لتعزيز موقعه، خصوصاً إذا تمكنت الحكومة من تحقيق إنجازات ملموسة في الملفات الاقتصادية والأمنية. دعم جعجع المبكر لسلام قد يتحوّل إلى رصيد سياسي طويل الأمد إذا ترافق مع نجاح حكومي.

استراتيجية جديدة

زيارة جعجع إلى السراي تعكس استراتيجية سياسية جديدة لحزب “القوات”، تقوم على الرهان على حكومة تحظى بغطاء دولي واسع، وتتبنّى سياسات طالما غابت عن لبنان لعقود طويلة. فالبلد يعيش مرحلة مصيرية، وجعجع لا يريد أن يبقى خارجها أو أن يُقال إنه غاب عن القرارات الكبرى. لكن المراقبين يشددون في الوقت نفسه على أن التزامه بالحكومة يبقى رهناً بقدرتها على تحقيق النجاح، إذ لن يتردّد في الانسحاب إذا شعر بأن السفينة تتجه نحو الغرق.

زر الذهاب إلى الأعلى