في جلسة جديدة عقدها مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية جوزاف عون، وحضور رئيس الحكومة نواف سلام، والوزراء أُقرّت سلسلة من التعيينات الإدارية والتعديلات الانتخابية، في سياق يعكس استمرار الحكومة في نهج “المعالجات الجزئيّة” للملفات الكبرى، وسط مناخ سياسي داخلي لا يزال هشًا، وتوازنات دقيقة في السلطة التنفيذيّة.
الجلسة لم تكن استثنائية في طابعها الشكلي، لكنها حملت مضامين سياسية لافتة، خصوصًا على صعيد تعديل قانون الانتخاب، وتثبيت مراكز النفوذ في مواقع إدارية مفصليّة كالمرفأ والطيران المدني.
فتعيينات مرفأ بيروت صدرتلتثبيت السيطرة تحت غطاء إداري، فتعيين لجنة موقتة جديدة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت لا يمكن فصله عن الخلفية السياسية لهذا المرفق الذي لا يزال في قلب الصراع على السلطة، والإعمار، والمحاسبة بعد انفجار ٢٠٢٠.
واللجنة التي تم تعيينها، برئاسة مروان نافي وعضوية سبعة آخرين، تشكّل في ظاهرها خطوة لإعادة تنظيم الإدارة، لكنها فعليًا تعبّر عن توازن مدروس بين القوى النافذة، يراعي التوزيع الطائفي والمناطقي، من دون الإفصاح عن معايير الاختيار أو كفاءة الأعضاء.
وهذا القرار لا يخرج عن سياق تقليدي تعتمده الحكومات اللبنانية عبرملء الشواغر وفق المحاصصة المقنّعة، حيث تتقاطع المصالح أكثر مما تُنتج إصلاحًا هيكليًا.
ولم تخرجتعيينات وظيفية أخرى عن مسار تعزيز مواقع في مفاصل الدولة، فأخطبوط الدولة العميق في لبنان لا يزال ينهش في جسد المؤسسات.
وفي السياق ذاته، أُقرّ تعيين نجاة حنا مفوضة حكومة لدى الهيئة العامة للطيران المدني، ومنى النابلسي مديرة عامة لفرع الشؤون الوزارية في رئاسة مجلس الوزراء. وهما منصبان إداريان على تماس مباشر مع ملفات تنسيق المؤسسات، وإدارة الانتخابات، والرقابة، ما يعني أن الاختيارات تعكس رغبة في تعزيز السيطرة داخل البنية البيروقراطية للدولة، خاصة في ظلّ تحضيرات انتخابية مرتقبة على المستوى النيابي.
الى ذلك فإنّ تعديلات القانون الانتخابي جاء وفق حسابات ميدانية مغطاة بتشريع معجّل حيث تمثّل القرار الأبرز سياسيًا في إقرار مجلس الوزراء، بأكثرية أعضائه، مشروع قانون معجّل مكرّر لتعديل بعض بنود القانون الانتخابي. أهم ما تضمّنه المشروع:
- تعليق المواد المتعلقة بالمقاعد الستة للمغتربين، ما يعني أن اقتراع غير المقيمين سيجري على كامل الدوائر (١٢٨ نائبًا)، بدل تخصيص ستة مقاعد كما كان منصوصًا عليه في القانون الحالي.
- تمديد مهلة تسجيل المغتربين حتى ٣١ كانون الأول، في محاولة لرفع نسبة المشاركة وتنشيط اللوائح في الخارج.
وهنا يبدو جليًّا أن القرار يُقرأ بوضوح على أنه تراجع عملي عن صيغة المقاعد الستة، التي واجهت انتقادات من مختلف الجهات، بعضها قانوني وبعضها سياسي، لكنها بقيت معلّقة منذ إقرارها. وتعليقها الآن يفتح الباب أمام إعادة خلط التوازنات في الشارع الاغترابي، خاصة أن توزعه الجغرافي ينعكس مباشرة على نتائج الدوائر الحساسة.
أما داخليًا، فأقرّ المجلس تعديلًا يتعلق بـإلغاء البطاقة الممغنطة واعتماد “الميغاسنتر”كصيغة بديلة لتسهيل اقتراع الناخبين في أماكن سكنهم، بدل دوائرهم الأصلية. التعديل جاء مشروطًا بـ”صفة استثنائية” حتى انتهاء اللجنة النيابية الفرعية من دراسة الملف. لكن إقراره الآن، حتى ولو بشكل موقت، يُعدّ بمثابة تحول جوهري في منهجية الاقتراع، وتسهيلًا كبيرًا لمشاركة شريحة واسعة من الناخبين الذين كانوا يتخلّفون عن الاقتراع بسبب المسافة أو التكاليف.
في الخلاصة لم يخرج مجلس الوزراء بما هو فوق العادة حيث كان معروفًا سلفًا ما صيصدر عن الجلسة بعد أن كانت المصادر كشفت عبر وسائل الاعلام المحلية ما كان متوقّعًا صدوره اليوم وجاءت بعض الإصلاحات تحت سقف السياسة. أمّا في المضمون، لا تشكّل المقررات انقلابًا على الواقع السياسي، لكنها تعكس بوضوح أن الحكومة تحاول التقدّم بخطوات إصلاحيّة محسوبة ومحدودة، دون الدخول في مواجهة مع مراكز النفوذ، أو المساس بالتوازنات الطائفية والحزبية القائمة.
ولذلك وفي قراءة سريعة فإنّ التعيينات الإدارية تؤسّس لمرحلة من إعادة التموضع داخل المؤسسات الحيوية، فيما التعديلات الانتخابيّة تعبّر عن إعادة توزيع دقيقة للأوراق الانتخابيّة قبل دخول الاستحقاق المقبل.
لكن يبقى السؤال: هل تكفي هذه التعديلات الموقتة لترميم ثقة الناخب، أو إحداث تغيير فعلي في نتائج الانتخابات؟ الأرجح أن الجواب سيبقى معلّقًا إلى أن تُختبر هذه الإجراءات في الميدان، ويُفتح النقاش الحقيقي حول قانون انتخابي عصري وشامل، لا ترقيعي وموقت.
ج.س

