“الأونورابل” براك دبلوماسي بمواصفات حيوانيّة!

لم يكن منبر قصر بعبدا الرئاسي اللبناني ليستقبل في يوم من الأيام “مُروّض حيوانات” من طراز خاص. لكن يبدو أن المبعوث الأميركي، توم براك، ظنّ نفسه فجأة في سيرك متنقل، وأن الصحافيين المحيطين به هم مجموعة من دببة ترويض أو قردة تتصارع على موزة، فوجب تأديبهم.

بكل وقاحة نادرة، وبعد لقائه برئيس الجمهورية جوزاف عون، وقف “المسطرة” براك يرافقه وفدٌ من “المروضين المساعدين” وعلى رأسهم مورغان أورتاغوس ليعلن للصحافيين: “سنضع مجموعةً مختلفة من القواعد هنا. أريدكم أن تصمتوا للحظة”. يا للتهذيب! يا للأخلاق الرفيعة! فبدلاً من أن يكون قدوة في الاحترام، قرر أن يكون قدوة في “الترويض الاستعماري” الجديد.

ولم يكتفِ هذا الدبلوماسي المُتمرّس بطلب الصمت، بل استخدم مصطلحاً لن تجده حتى في حديقة الحيوانات: “في اللّحظة الّتي يصبح فيها الأمر فوضويًّا والسّلوك حيوانيًّا، سنغادر”. نعم، سمعتم correctly الصحافي الذي يصر على أداء عمله ويحاول الحصول على إجابات من مبعوث دولة عظمى، هو في نظر براك مجرد “حيوان” يجب تهديده بالعصا الجافة.

لكن السيد براك نسِي أو تَناسى أن الحيوانات الحقيقية هي تلك التي تتصرف بدافع الغريزة، لا بدافع الأجندات السياسية. أما الصحافيون، فغريزتهم هي كشف الحقائق، وهو ما يبدو أن السيد براك يخاف منه أكثر من خوفه من “الفوضى الحيوانية” التي يتحدث عنها.

الأكثر سخرية هو وعظه الأجوف: “إذا أردتم أن تعرفوا ما الّذي يحدث، تصرّفوا بتحضّر، بلطف، وبتسامح”. نعم، يا سادة، إنها مفارقة تاريخية: مبعوث دولة قتلت الدبلوماسيّة في أكثر من مكان حول العالم، تتحدث عن التحضر واللطف والتسامح! وكأننا نسمع ذئباً يعظ الحملان على ضرورة احترام حقوق الحيوان.

ولم يفوّت براك فرصة التذكير بعلو شأنه: “هل تظنّون أنّ هذا ممتع بالنّسبة لنا؟ هل تظنّون أنّ وجود مورغان وأنا هنا لتحمّل هذا الجنون، مجدٍ اقتصاديًّا”؟ بالطبع ليس ممتعاً! فمن الصعب الاستمتاع عندما تكون مهمتك هي تلميع صورة إمبراطوريّتك، بينما الصحافيون يريدون معرفة حقيقة دورك في منطقة ممزقة.

والسؤال الأهم: هل كان براك ليتجرأ على قول هذا الكلام في إسرائيل؟ الجواب ببساطة: لوأنفه لُمِحَ من بعيد! فلو وقف في القدس أو تل أبيب ونعت الصحافيين الإسرائيليين بالحيوانات، لكانت إدارة بلاده قد فصلته قبل أن ينهي جملته، وربما أرسلته في بعثة دبلوماسية إلى القمر بعيداً عن “الهمج” الذين لا يقدّرون مكانته.

في النهاية، يبدو أن السيد براك يعاني من انفصام في الشخصية: فهو يعيش فوق البشر، ويتحدث بلغة الغابة، ويطلب اللياقة وهو يفتقد لأبسط قواعدها. والأمر لا يحتاج إلى أكثر من مرآة صغيرة ليرى فيها الوجه الحقيقي للـ”حيوان الدبلوماسي” الذي يتكلم.

فالشتم لا يليق بالصحافيين، لكنه -يا سيد براك- يليق بك أنت وبمن أرسلك. فإذا كان الصحافي حيواناً في نظرك، فاعلم أنك أنت القندس الذي يحاول بكل غباء بناء سدود من الأكاذيب في نهر الحقائق الجارية.

ج.س

زر الذهاب إلى الأعلى