
تسعى الولايات المتحدة، وفق تقرير لمجلة فورين بوليسي، لإجبار الدول النامية على الانحياز إلى معسكرها في مواجهة الصين التي تراها منافسًا استراتيجيًا ينبغي احتواؤه، في مشهد يعيد أجواء الحرب الباردة.
لكن هذه الضغوط لم تثنِ دول الجنوب العالمي عن توثيق علاقاتها مع بكين، بل دفعتها إلى تعزيز الشراكة معها. وقد هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم إضافية على الدول التي “تنتهج سياسات معادية لأميركا على غرار بريكس”، فيما ردّ مستشار الرئيس البرازيلي سيلسو أموريم بأن مثل هذه التهديدات تدفع بلاده إلى “المزيد من التعاون متعدد الأطراف”.
الصين قوة بنى تحتية
تقدم الصين نفسها كشريك عملي من خلال مبادرة الحزام والطريق التي أنفقت عبرها أكثر من ١.٣ تريليون دولار خلال العقد الأخير، وهو استثمار يفوق بكثير ما قدمته الولايات المتحدة أو أوروبا.
ورغم المشكلات التي رافقت بعض المشاريع في سريلانكا وباكستان وكينيا وزامبيا، أثبتت بكين قدرتها على تعديل سياساتها وربط المبادرة بأجندات تنموية مثل رؤية أفريقيا ٢٠٦٣.
تراجع أميركي وأوروبي
في المقابل، قلّصت واشنطن التزاماتها الخارجية وأغلقت مكاتب للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بينما واصلت بكين توسيع استثماراتها لتبلغ ١٢٥ مليار دولار في عام واحد فقط من عقود الحزام والطريق.
كما شهد النصف الأول من عام ٢٠٢٥ أكبر توسع للمبادرة، خصوصًا في أفريقيا وآسيا الوسطى. وبالمثل، خفّضت دول أوروبية مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا ميزانيات المساعدات مفضلةً تعزيز إنفاقها العسكري.
صورة الصين وجاذبيتها
رغم محدودية أدوات القوة الناعمة الصينية، إلا أن جاذبيتها تعززت مع تراجع صورة الولايات المتحدة. فقد أظهرت استطلاعات الرأي في جنوب شرق آسيا أن غالبية السكان يرون مستقبلهم الاقتصادي أكثر ارتباطًا بالصين منه بالغرب.
وتبدو رسائل بكين حول “المستقبل المشترك” و”الاحترام المتبادل” أكثر قبولًا مقارنة بسياسة “أميركا أولاً” التي يروج لها ترامب.
شريك لا يفرض الولاء
تسعى الصين لتأكيد انتمائها إلى الجنوب العالمي عبر مبادرات رمزية، أبرزها إلغاء الرسوم الجمركية على صادرات ٥٣ دولة أفريقية، فيما سُمي بـ”إعلان تشانغشا للتضامن”.
لكن على الرغم من هذا التقارب، ما زالت هناك تباينات، خصوصًا في ملف إعادة هيكلة الديون، حيث ترفض بكين أي تسوية لا يشارك فيها البنك الدولي والمؤسسات الإقليمية.
تعددية الأقطاب كخيار
تعتبر دول الجنوب أن صعود الصين يعزز التعددية القطبية ويمنحها هامش استقلالية أكبر بعيدًا عن الارتهان لقوة واحدة. ويشير التقرير إلى أن دروس الماضي، مثل فشل تحالفات الخمسينيات، لا تزال ماثلة، إذ تواصل منظمات إقليمية كـآسيان الحفاظ على التوازن بين واشنطن وبكين، رافضة الانحياز لطرف واحد.