ثلاث سيناريوهات محتملة لإنهاء محاكمة نتنياهو قانونيًا

نشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبر منصته “تروث سوشيال”، تغريدات دعا فيها بشكل مباشر إلى وقف محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة.

وقد أثارت هذه التصريحات موجة من الجدل في الأوساط السياسية والقضائية الإسرائيلية، غير أن الهيئة القضائية رفضت طلب نتنياهو تأجيل شهادته إلى أجل غير مسمّى، وأصرّت على استمرار المحاكمة.

في السياق ذاته، رفضت المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، التماسًا قُدّم للمحكمة العليا بهدف وقف إجراءات المحاكمة. وأوضحت النيابة العامة أن تعليق الإجراءات في قضية جنائية لا يتم إلا بطلب مباشر من المتهم، وهو ما لم يقدمه نتنياهو حتى اللحظة.

ما السبل القانونية لإنهاء المحاكمة؟

بالرغم من تعقيد القضية ورفض نتنياهو لأي إدانة تحمل وصمة عار أو انسحاب من الحياة السياسية، تظل هناك ثلاث مسارات قانونية محتملة لإنهاء محاكمته قبل صدور الحكم:

أولًا: اتفاق الإقرار بالذنب

يُعد هذا الاتفاق تسوية قانونية بين النيابة العامة والمتهم، يعترف فيها الأخير ببعض التهم مقابل تخفيف العقوبة أو إسقاط تهم أخرى. ويُعرض الاتفاق على المحكمة للمصادقة، وقد ترفضه في حالات نادرة.

ووفق وسائل إعلام عبرية، سبق أن عُرض هذا الخيار على نتنياهو بشرط انسحابه من الحياة السياسية، لكنه رفضه بشكل قاطع، مما يجعل هذا السيناريو غير مرجّح في الوقت الراهن.

ثانيًا: تعليق الإجراءات من قِبل النيابة العامة

بموجب القانون، تملك النيابة العامة صلاحية تقديم طلب للمحكمة بوقف الإجراءات في أي مرحلة من مراحل المحاكمة. لكن هذا الأمر نادر، لا سيّما في القضايا الكبرى، ويتطلب مبرّرات قانونية قوية كغياب الأدلة أو وجود مصلحة عامة واضحة.

وفي حالة نتنياهو، أعلنت النيابة أنها لا تنوي طلب تعليق الإجراءات، خاصةً وأن المتهم نفسه لم يقدّم أي طلب في هذا الصدد، مما يُغلق هذا المسار مؤقتًا.

ثالثًا: العفو الرئاسي

يملك رئيس إسرائيل إسحاق هرتسوغ سلطة منح العفو أو تخفيف العقوبات بعد صدور الحكم القضائي. لكنه لا يملك صلاحية إيقاف محاكمة جارية أو إسقاط لائحة الاتهام قبل النطق بالحكم.

وبالتالي، فإن هذا الخيار لا يمكن اللجوء إليه إلا في مرحلة لاحقة، إن تمّت إدانة نتنياهو وأراد طلب العفو رسميًا من رئيس الدولة.

ما ينص عليه القانون الإسرائيلي

ينص البند ١١ (ب) من “القانون الأساسي” على أن “رئيس الدولة يتمتع بصلاحية منح العفو وتخفيف الأحكام”، لكن ذلك لا يتم إلا بعد الإدانة.

كما ينص البند ٩٤ (ب) من “قانون الإجراءات الجنائية” على أنه “يجوز للمحكمة، بموافقة النيابة والمتهم، أن ترفض لائحة الاتهام في أي وقت حتى صدور الحكم”.

وبذلك، ينحصر الحل القانوني باثنين: إلغاء المحاكمة باتفاق بين النيابة والمتهم، أو العفو بعد الإدانة.

هل تجري وساطات سرية؟

أفادت القناة ١٢ العبرية بوجود محاولات وساطة غير معلنة يقودها رئيس المحكمة العليا المتقاعد أهارون باراك بين الدفاع والنيابة. غير أن المستشارة القضائية للحكومة ترفض أي وساطة جنائية وتطالب بمفاوضات مباشرة فقط.

بدوره، أشار المحامي يوفال يوعاز إلى أن تغريدات ترامب فجّرت نقاشًا عامًا في إسرائيل حول جدوى استمرار المحاكمة، بينما لمح الرئيس الإسرائيلي إلى أنه سينظر بجدية في أي طلب عفو رسمي يُقدمه نتنياهو، إذا كان يراعي “مصلحة الدولة”، بحسب تعبيره.

أي الخيارين أفضل: العفو أم الإلغاء؟

يرى البروفيسور أوري بن أوليئيل أن العفو قد يُفسَّر شعبيًا بأنه “هروب من العدالة”، ما قد يعمّق الانقسامات السياسية في إسرائيل. في المقابل، يعتبر أن إلغاء المحاكمة عبر اتفاق رسمي بين النيابة ونتنياهو يمكن أن يكون خطوة إيجابية نحو التهدئة وتوحيد الصفوف، خاصة في ظل الأزمات الداخلية.

ويؤكد أن لكل خيار أبعادًا قانونية واجتماعية مختلفة تمامًا، رغم أن كليهما ينهي المسار القضائي.

هل يملك ترامب أي تأثير قانوني؟

يؤكد الصحفي بيني أشكنازي أن الرئيس الأميركي لا يمتلك أي صلاحية قانونية للتأثير على المحاكمة الجارية، إذ لا يحق لأي جهة خارجية التدخل في القضاء الإسرائيلي. ورغم ذلك، قد تثير تصريحات ترامب جدلًا سياسيًا وإعلاميًا، لكنّها لا تملك وزنًا قانونيًا أمام المحكمة.

ويشير أشكنازي إلى أن إنهاء المحاكمة يتطلب إما طلبًا رسميًا من نتنياهو، أو اتفاقًا قضائيًا، وكلاهما مستبعد حاليًا.

ما وراء تصريحات ترامب؟

ترى المحللة السياسية آنا بارسكي أن موقف ترامب ليس مجرد تعبير عن صداقة شخصية، بل يُفهم في سياق “لعبة سياسية أوسع”، وقد يهدف للضغط باتجاه تسوية قضائية أو صفقة تشمل ملفات إقليمية، مثل الحرب في غزة أو مفاوضات تبادل الأسرى.

وتتساءل: “هل يأتي دعم ترامب ضمن صفقة إقليمية كبرى تشمل وقف القتال وترتيبات دبلوماسية تمتد من طهران إلى الرياض؟”

هل يصمد القضاء أمام الضغوط؟

يعتقد إيتمار آيخنر أن القضاء الإسرائيلي سيواجه تحديًا حقيقيًا إذا تحوّلت تصريحات ترامب إلى ضغوط فعلية، كما فعل سابقًا ضد المحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك، يشدد على أن إسرائيل دولة قانون، ولا يمكن لأي رئيس أجنبي إيقاف محاكمة جارية فيها.

ويختم بأن كل الاحتمالات القانونية لا تزال مفتوحة، لكن القرار النهائي سيبقى بيد المحكمة، ما لم يُبادر نتنياهو بنفسه لتغيير قواعد اللعبة.

زر الذهاب إلى الأعلى