ثقافة الفساد لدى دونالد ترامب

في الأسابيع القليلة الماضية، شارك الرئيس دونالد ترامب، المعروف بعدم حرصه على الفصل بين المصالح العامة والخاصة، في عدد لافت من تضارب المصالح المحتملة. فقد أعلن مؤخرًا عن نيته قبول طائرة من طراز بوينغ ٧٤٧ من الحكومة القطرية بقيمة ٤٠٠ مليون دولار، على أن تُستخدم بدلًا من طائرة “إير فورس وان” حتى نهاية فترة رئاسته، ثم تُنقل إلى مكتبته الرئاسية. كما واصل بيع إمكانية الوصول إليه عبر عملة رقمية ساخرة ($TRUMP)، حيث أعلنت شركة ذات علاقات بالصين عن نيتها شراء ما يصل إلى ٣٠٠ مليون دولار من تلك العملة. أما رحلته إلى المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع، فقد سبقتها في أواخر العام الماضي، إعلان عائلته عن مشروع “ترامب تاور جدة” الجديد.

قد يكون حجم هذه النزاعات غير مسبوق بالنسبة لسياسي أمريكي، لكن ترامب، الذي لطالما هاجم ما يسميه “المستنقع السياسي” في واشنطن، ليس وحده. فهو واحد من عدة قادة “شعبويين” يمينيين—مثل فيكتور أوربان من هنغاريا، ورجب طيب أردوغان من تركيا، وناريندرا مودي من الهند، وجايير بولسونارو، الرئيس البرازيلي السابق—الذين وصلوا إلى السلطة بشعارات مناهضة للفساد، ثم تورطوا في فضائح فساد تفوق في كثير من الأحيان ما ارتكبه أسلافهم.

في هذا السياق، أجريت مؤخرًا مكالمة هاتفية مع الأستاذة كيم لين شيبيلي، أستاذة علم الاجتماع والشؤون الدولية في جامعة برينستون، التي تدرس كيفية تهديد المؤسسات الديمقراطية من قبل الأفراد أو الأزمات الاقتصادية أو الإرهاب. وخلال حديثنا، الذي تم تحريره من حيث الطول والوضوح، ناقشنا كيف يختلف فساد ترامب عن أقرانه من الزعماء الشعبويين، ولماذا يميل الطغاة إلى إحاطة أنفسهم بالفاسدين، وكيف أصبح الفساد قضية ضمن صراعات “الحروب الثقافية”.

السؤال: العلاقة بين الفساد والشعبوية اليمينية الحديثة تبدو ثنائية—فالشعبويون يهاجمون الفساد، ثم يتصرفون بطريقة فاسدة. هل هذا مصادفة؟

لا، هناك بالتأكيد علاقة. الاستبداد يرتبط كثيرًا بالفساد. ومع أن هناك عوامل أخرى أيضًا، إلا أن أحد الأمور التي يقوم بها القادة المستبدون هو القضاء على جميع وسائل الرقابة، بما فيها الآليات التي تكشف وتمنع الفساد. وغالبًا ما يفكر الطغاة قائلين: “طالما أنني في السلطة، لماذا لا أستفيد إلى أقصى حد؟”. هذا النمط شائع جدًا.

السؤال: كيف تفسرين حصول الكثير من هؤلاء القادة على السلطة من خلال حملات مناهضة للفساد؟

كثير من الطغاة يأتون بشعارات مكافحة الفساد، لكن ما يقومون به فعليًا هو تغيير نوع الفساد، لا القضاء عليه. ففي أوروبا ما بعد الشيوعية، كان الفساد شائعًا على مستوى الشارع—رشى لموظفي الدولة منخفضي الأجور مقابل الخدمات. لكن عندما وصل أمثال بوتين وأوربان إلى السلطة، قاموا بقمع هذا النوع من الفساد، واستبدلوه بفساد من نوع آخر: منح عقود الدولة للأصدقاء، والاقتطاع من هذه العقود. هذا النوع من الفساد غير مرئي للعامة، ويبدو وكأن القادة يكافحون الفساد بينما ينقلونه إلى مستويات أعلى في النظام.

السؤال: هذا يُشبه إلى حد ما ما يفعله ترامب ومسك فيما يتعلق بالحكومة الأمريكية، من حيث انتقادها بأنها فاسدة وغير فعّالة.

بالفعل. هم يهاجمون برامج مثل الضمان الاجتماعي والميديكيد، ويصورونها على أنها تُمنح لأشخاص لا يستحقونها. وهذا يُخاطب جمهورًا واسعًا، لأن الناس يعرفون على الأرجح شخصًا ما حصل على امتياز لم يكن يستحقه. لكن ما يُستبدل به ذلك هو نظام اقتصادي يُفضّل ترامب ومسك، من خلال قوانين ضريبية أو منح عقود حكومية ضخمة. وفي حالة مسك، فإن ثروته بُنيت في جزء كبير منها على عقود حكومية، وهناك تقارير عن محاولته الضغط على المؤسسات الفيدرالية لاستخدام خدماته.

السؤال: ما يميّز ترامب أنه يمارس الفساد بشكل علني، خلافًا لزعماء مثل أوربان أو بوتين. لماذا برأيك؟

لأن ذلك يُناسب صورة ترامب. هو يقدّم نفسه كرجل أعمال ناجح يستغل الفرص المتاحة، حتى وإن كانت غير أخلاقية. بالنسبة لقاعدته الشعبية، هذا يُعزز صورته كرجل ذكي ومحنّك. أما أوربان وبوتين، فقد بنيا صورتهما على التقشف والنزاهة. فثروة أوربان مثلاً لا تُسجل باسمه، بل باسم صديقه “لورينتس ميسزاروس”، العامل البسيط الذي أصبح فجأة أغنى رجل في هنغاريا، ويُلقب بـ”محفظة أوربان المتنقلة”. أما بوتين، فثروته مخفية في الخارج وداخل شبكة معقدة من الأصول غير المسجلة.

السؤال: ترامب يُصرّ على أن النظام فاسد، لكنه يُلمّح إلى أن الفساد في مصلحة الآخرين وليس قاعدته. هل هذا النمط شائع؟

نعم، هذا الخطاب شائع في الهند وأماكن أخرى. الرسالة تقول: “هناك أشخاص غير مستحقين يحصلون على ما هو من حقك، وأنا سأُعيده إليك”. لكن من الضروري ملاحظة أن مودي، مثلًا، يبني صورته كرجل زاهد، ومن غير المقبول أن يظهر كفاسد. لكن المقربين منه، مثل المليارديرات الهنود، استفادوا بشكل كبير من علاقاتهم بالحكومة، من دون أن تظهر أدلة على فساد شخصي من جانبه—حتى الآن على الأقل.

السؤال: هل الشخصيات الفاسدة بطبيعتها تجد ملاذًا في السياسة اليمينية المناهضة للمؤسسات؟

غالبًا ما يكون هذا صحيحًا. الأشخاص الفاسدون يبحثون عن نظام يوفّر لهم الحماية. وعندما يصل قائد فاسد إلى السلطة، يُحيط نفسه بأشخاص مشابهين. ومن أوائل ما تقوم به الحكومات الاستبدادية هو اتهام خصومها بالفساد، وإطلاق تحقيقات ضدهم. وهذا ما بدأ ترامب بالفعل بمحاولة تنفيذه، فإذا كنت تتذكر، فإن دونالد ترامب، عند وصوله إلى الحكم، سارع إلى إطلاق اتهامات بالفساد ضد خصومه، وبدأ الحديث عن “تجفيف المستنقع”، لكنه استخدم هذه الادعاءات لتبرير تحركاته ضد أشخاص ومؤسسات مستقلة، مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل، التي كانت تشكل تهديدًا له وللمقربين منه.

وهذا يُعد أمرًا شائعًا في الأنظمة الاستبدادية: يتم تفكيك أدوات الرقابة بدعوى محاربة الفساد، بينما يتم في الواقع خلق بيئة يسود فيها الفساد بشكل أعمق، ولكن بطريقة أقل ظهورًا لعامة الناس. يتم إخراج الفساد من الشارع ونقله إلى القمة، حيث يستفيد منه الأصدقاء والحلفاء والمقربون من السلطة.

النتيجة؟ ثقافة سياسية جديدة تُصوّر “الفساد” على أنه أمر يقوم به الآخرون، الغرباء، أو النخبة الليبرالية، وليس من هم داخل الحلقة الحاكمة. يتحول الفساد إلى سلاح في معركة ثقافية، وليس إلى مشكلة يجب حلّها. ومن خلال هذا المنظور، تصبح تصرفات ترامب وممارساته التجارية، بل وحتى استفادته الشخصية من منصبه، أمرًا مبررًا في عيون مؤيديه، لأنه في نظرهم “رجل ذكي” يعرف كيف يستفيد من الفرص.

وهكذا، فإن ما نراه في الولايات المتحدة الآن ليس مجرد حالات فردية من الفساد، بل تحوّل في الثقافة السياسية نفسها نحو تطبيع الفساد، وربطه بالهوية والانتماء السياسي، بدلًا من اعتباره انتهاكًا أخلاقيًا أو قانونيًا. هذا التوجه لا يُضعف فقط ثقة المواطنين بالمؤسسات، بل يهدد البنية الديمقراطية نفسها على المدى الطويل.

ملاحظة: نُشر المقال الأصلي باللغة الإنكليزية في مجلة ذي نيويوركر بقلم الصحفي إسحاق شوتينر. وقد قام فريق التحرير في كليك اف ام بترجمته إلى اللغة العربية.

زر الذهاب إلى الأعلى