إجراءات مشدّدة في الفاتيكان لضمان سرية انتخاب البابا الجديد

الفاتيكان — يُعدّ انتخاب البابا من أكثر العمليات الانتخابية سرية في العالم. فعندما يُغلق باب كنيسة السيستينا يوم الأربعاء على ١٣٣ كاردينالاً كاثوليكياً لاختيار خليفة للبابا فرنسيس، يكون كل واحد منهم قد أقسم على الإنجيل بالحفاظ على سرية التفاصيل مدى الحياة.

ويشمل هذا القسم كل من يتواجد داخل الفاتيكان خلال فترة الكونكلاف، بدءاً من الطبيبين المكلّفين بالتدخل في حال حدوث طارئ، وصولاً إلى العاملين في المطعم الذي يقدّم الوجبات للكرادلة. جميعهم يتعهدون بالالتزام بـ”السرية التامة والدائمة”.

ولضمان ذلك، يتم تفتيش الكنيسة وبيوت الضيافة المخصصة للكرادلة للتأكد من خلوّها من أجهزة التنصت والميكروفونات.

وقال جون ألين، رئيس تحرير موقع “كروكس” الإخباري المتخصص في شؤون الفاتيكان:
“تُستخدم أجهزة تشويش إلكترونية لضمان عدم دخول أو خروج إشارات الهاتف أو الإنترنت”.
وأضاف: “الفاتيكان يأخذ مسألة العزلة بمنتهى الجدية”.

عزلة كاملة

الإغلاق التام لا يهدف فقط إلى منع تسرّب معلومات عن سير عملية التصويت أو اختراقها، بل يشمل أيضاً عزل الكرادلة عن العالم الخارجي بكل مؤثراته، لتهيئتهم روحياً لاتخاذ قرارهم.

ويؤكد الكاثوليك أن هذا الانتخاب يُسترشد فيه بالله، وليس بالسياسة، ومع ذلك لا يترك الفاتيكان شيئاً للصدفة.

عند دخول الكونكلاف، يُطلب من الجميع تسليم كل الأجهزة الإلكترونية بما فيها الهواتف والأجهزة اللوحية والساعات الذكية. وتقوم شرطة الفاتيكان بتطبيق هذه القواعد بحزم.

يقول جون ألين: “المنطق هو الثقة، ولكن مع التحقق”.

أما المونسنيور باولو دي نيكولو، الذي تولّى سابقاً رئاسة شؤون المنزل البابوي لمدة ثلاثين عاماً، فقال:
“لا وجود لتلفزيونات أو صحف أو إذاعات في مقر إقامة الكرادلة. لا شيء على الإطلاق”.
وأضاف: “حتى النوافذ تُبقى مغلقة لأن بعضها يطل على العالم الخارجي”.

جميع العاملين خلف أسوار الفاتيكان خضعوا لتدقيق دقيق، ومع ذلك يُمنعون من التواصل مع الكرادلة.
قالت إينيس سان مارتن، من الجمعية البابوية للبعثات في الولايات المتحدة: “الكرادلة في عزلة تامة”.

وأوضحت أن وسيلة الاتصال الوحيدة المسموح بها هي أجهزة اتصال لاسلكية تُستخدم فقط في حالات خاصة مثل طلب طبيب أو إعلام قرع الأجراس عند انتخاب البابا.

أما من يخرق القواعد؟ فيقول المونسنيور دي نيكولو: “هناك قسم، ومن لا يلتزم به يُعرّض نفسه للطرد من الكنيسة”. ويؤكد: “لا أحد يجرؤ على فعل ذلك”.

مطاردة الكرادلة

الأجواء تختلف قبل انعقاد الكونكلاف. ورغم أن الكرادلة ممنوعون رسمياً من الإدلاء بتصريحات، إلا أن وسائل الإعلام والزوار بدؤوا في تتبّعهم منذ دفن البابا فرنسيس، في محاولة لاستكشاف خلفائه المحتملين.

وقد تحوّلت مطاعم الآيس كريم والمقاهي القريبة من الفاتيكان إلى محطات رصد للكرادلة وتحليل تحالفاتهم المحتملة.
عنونت صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية:
“نبيذ وريغاتوني: العشاء الأخير للكرادلة”، في إشارة إلى تمتعهم بوجبات رومانية فاخرة قبل بدء العزلة.

الصحفيون بدورهم بدأوا في استجواب النُدُل عمّا إذا التقطوا شيئاً من الحوارات، لكن أحدهم أجاب قائلاً:
“لا شيء… يصمتون فور اقترابنا”.

مكان آخر لرؤية الكرادلة هو بالقرب من البازيليك، بجوار الأعمدة التي تحتضن الساحة الرئيسية، حيث يتجمع المصوّرون والمراسلون كل صباح بحثاً عن رجال الدين بملابسهم الحمراء المزركشة.

وصل إلى روما الآن نحو ٢٥٠ كاردينالاً من مختلف أنحاء العالم، لكن فقط من هم دون سن الثمانين يحق لهم التصويت.
وخلال اجتماعاتهم اليومية لمناقشة العملية الانتخابية، يتعرّضون لوابل من الأسئلة، لكن أجوبتهم تقتصر على الحديث عن “الحاجة للوحدة” أو تأكيد أن الكونكلاف سيكون قصيراً.

خارج الجدران

تقول إينيس سان مارتن: “الفكرة هي أن يكون القرار دينياً لا سياسياً. نؤمن بأن الروح القدس هو من يوجّه الحوار والتصويت”.

لكن الحقيقة أن البابا يقود مؤسسة ضخمة وثرية تملك سلطة أخلاقية وتأثيراً عالمياً يتعدى الشأن الديني ليشمل ملفات مثل السلام والسياسات الاجتماعية.

وبالتالي، فإن الرجل الذي سيُختار ورؤيته وأولوياته، سيكون لها أثر كبير خارج جدران الفاتيكان.

في الماضي، حتى عام ١٩٠٧، كان لبعض الملوك الكاثوليك حق النقض (الفيتو) على انتخاب البابا. أما اليوم، فهناك محاولات تأثير من كل الاتجاهات، خصوصاً عبر الإعلام.

إحدى الصحف الإيطالية، “إل ميساجيرو”، انتقدت الكاردينال الإيطالي بارولين لما وصفته بـ”ترشيح ذاتي مبطن”.

وفي محاولة لتقويض شعبية الكاردينال الفلبيني تاغلي، تم تداول مقطع فيديو له يغني “تخيّل” لجون لينون، لكنه انتشر بشكل واسع وأثر عكسياً.

في المقابل، يتداول البعض كتاباً فخماً يروّج لبعض المرشحين المحافظين مثل الكاردينال سارا من غينيا، الذي أدان “شرور العصر الحديث” مثل الإجهاض و”أجندة المثليين”.

يقول جون ألين: “هناك مجموعات تضغط حول قضايا تهمها. الكرادلة على علم بذلك، لكنهم سيحاولون تجاهلها”.

وتتفق إينيس سان مارتن: “نعم، هناك ضغوط، مثل أي انتخابات، لكنها ليست عالية كما كنت أتوقع”.

وتعزو ذلك جزئياً إلى أن البابا فرنسيس عيّن الكثير من الكرادلة الجدد، من مناطق جديدة. وتضيف: “نحو ٥٠ أو ٦٠٪ منهم لا يعرفون بعضهم البعض حتى. لذلك حتى لو كان هناك مجموعة خارجية تحاول فرض أجندة، من الصعب جداً اختيار الكرادلة المناسبين”.

الصمت التام

بحلول صباح الأربعاء، سيكون جميع الناخبين داخل الفاتيكان – محرومين من هواتفهم ومعزولين تماماً عن العالم.

ويعتقد جون ألين أن التفضيلات الشخصية ستطغى على الاعتبارات السياسية أو التيارات المحافظة والليبرالية أو ضجيج الجدل الخارجي.

وتختم إينيس سان مارتن: “الكرادلة يتحدثون الآن أكثر من أي وقت مضى. بعضهم قد يُفاجئنا بإلهامه. لا يمكن التنبؤ بما سيحدث داخل السيستينا”.

هذه المقالة مُترجمة من اللغة الإنجليزية بواسطة فريق التحرير في إذاعة كليك إف إم. المقالة الأصلية من كتابة سارة رينسفورد لصالح BBC News.

زر الذهاب إلى الأعلى