فيلم أميركي طويل… من إخراج توماس براك

في كل مرة يتحدث فيها المبعوث الأميركي توماس براك عن لبنان، تشعر وكأنك تشاهد مشهداً من مسرحية لزياد الرحباني. الكلمات نفسها، النبرة المتعالية ذاتها، والإخراج الذي لا يخلو من الكوميديا السوداء.

براك، رجل الأعمال الذي قرّر أن يتحوّل إلى خبير سياسي، يتنقّل بين التصريحات كما يتنقّل بين استثماراته، محاولاً إقناع اللبنانيين بأن الحل بسيط: اتصال مباشر مع إسرائيل، وكأن التاريخ مجرّد رقم في دفتر الحسابات. يدعو رئيس الجمهورية إلى “رفع السماعة والاتصال بنتنياهو” في مشهد يبدو كأنه مقتبس من فيلم خيالي أكثر مما هو تصريح دبلوماسي.

من الواضح أن الهدف واحد: دفع لبنان نحو التفاوض المباشر بأي ثمن. لكن براك يجهل – أو يتجاهل – أن القوة لا تصنع سلاماً، وأن الضغط يولّد عناداً، لا قناعة. لبنان، رغم أزماته، لا ينسى الاحتلال ولا الجرائم ولا الأطماع، ولا يمكن أن يقبل أن يُختصر تاريخه بمكالمة هاتفية.

قد يقول البعض إن التفاوض أمر لا مفرّ منه، وربما يكون ذلك صحيحاً في السياسة الواقعية. لكن بين القبول تحت الضغط، والاقتناع المبني على الكرامة، فرق كبير. فالتفاوض لا يعني النسيان، ولا يعني التنازل عن الحق، بل يعني معرفة متى وأين وكيف يُطرح الملف من دون إذلال.

أما براك، فقبل أن يعطي الدروس للبنانيين، عليه أن يُراجع تاريخ بلاده في هذا البلد. فواشنطن لم تكن يوماً بعيدة عن ما وصلنا إليه، ولا يمكنها اليوم أن “تغسل يديها” وتدّعي البراءة.

ربما آن الأوان أن يتفرّغ السيد براك لمشاهدة «فيلم أميركي طويل»، لا من موقع البطل، بل من موقع المتفرّج… ليفهم أن اللبنانيين شاهدوا هذا الفيلم من قبل، ويحفظون نهايته عن ظهر قلب.

زر الذهاب إلى الأعلى