
في ضوء التطورات التي شهدتها الساحة السوريّة خلال الأشهر الأخيرة عقب سقوط النظام السابق، برز تحرك إسرائيلي جديد تمثّل بعقد مؤتمر غير رسمي ضمّ ممثلين عن عدد من الأقليات في الشرق الأوسط، من بينهم أكراد ودروز وعلويون وآشوريون وإيزيديون. وقد برّر منظّمو المؤتمر هذا اللقاء بأنه خطوة لتعزيز الحوار والتعاون بين هذه المكوّنات وإسرائيل في مواجهة “التحديات الأمنية والسياسية” التي تعيشها في بلدانها.
إلا أنّ هذا الحدث فتح الباب واسعاً أمام تساؤلات حول الأهداف الخفية وراءه، خصوصاً في ظلّ انخراط تل أبيب المتزايد في الشأن السوري بعد التطورات الأخيرة في محافظة السويداء، حين تدخلت عسكرياً بشكل مباشر بذريعة التصدي لفصائل تابعة للسلطة الانتقالية في دمشق.
مصادر سياسية مطلعة تؤكد أنّ ما جرى ليس صدفة، فإسرائيل تسعى إلى استثمار حالة التشتت الداخلي في سوريا، مستفيدة من فشل الإدارة الانتقالية في احتواء الخلافات مع المكوّنات العرقية والطائفية. وتعتبر هذه المصادر أن تل أبيب تعمل منذ فترة على ترسيخ نفوذها عبر خلق شبكة علاقات مع بعض الأقليات، مستغلةً الشعور بالتهميش الذي تعاني منه هذه الجماعات في ظلّ الأوضاع المتأزمة في البلاد.
وتشير التحليلات إلى أنّ المؤتمر الأخير يهدف إلى إرسال رسالة بأنّ إسرائيل لم تعد معزولة عن التركيبة الاجتماعية السورية، بل أصبحت تمتلك قدرة حقيقية على التأثير فيها. فبعض المكوّنات بات ينظر إلى العلاقة مع تل أبيب كخيار ممكن وليس محرّماً، خاصةً بعد الانتهاكات التي ارتكبتها السلطة الانتقالية بحق المدنيين في مناطق الساحل والسويداء، ما ولّد شعورًا متزايدًا بعدم الثقة تجاه دمشق.
وترى أوساط مطلعة أنّ هذا التحول يخدم هدفًا استراتيجيًا أبعد، إذ يُتوقع أن يؤدي إلى تفتيت سوريا إلى كانتونات مذهبية وعرقية، ترتبط معظمها بعلاقات تطبيعية أو تحالفية مع إسرائيل، وهو ما يتقاطع مع مصالح قوى دولية أخرى ترغب في إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة.
ومع ذلك، لا يبدو أنّ تل أبيب استعجلت في تفعيل هذه الورقة بشكل كامل بعد، إذ إنّ مستقبل الساحة السورية لا يزال غامضاً بفعل تضارب مصالح القوى الإقليمية والدولية. الدور الأميركي يبقى العامل الأكثر تأثيراً، إذ تواصل واشنطن إدارة خطوط الاتصال مع جميع الأطراف، محاوِلةً تحقيق توازن دقيق بينها.
أما الموقف التركي، فيبدو متناقضاً. فأنقرة تُعلن رفضها العلني لأي مشروع تقسيمي، لكنها في الوقت نفسه تُدرك ضعف الإدارة الانتقالية وعدم قدرتها على ضبط الوضع، ما يجعلها تتحرك ضمن حدود التنسيق مع واشنطن والرئيس الأميركي دونالد ترامب، مستفيدة من العلاقة الوثيقة بين الأخير والرئيس رجب طيب أردوغان، خصوصاً في ملفات مرتبطة بقطاع غزة وملفات إقليمية أخرى.
في المحصلة، تسعى إسرائيل إلى ترسيخ حضورها داخل ملف الأقليات السورية، تمهيداً لاستخدامه كورقة ضغط أو نفوذ في المستقبل القريب. أما عرقلة هذا المخطط، فتبقى رهناً بمدى استعداد القوى الداعمة للسلطة الانتقالية في دمشق لتغيير مقاربتها تجاه مختلف المكوّنات السورية، إذا كانت ما تزال تملك الإرادة لذلك.

