“فليب”: المنصة التي تنقلب لتفتح آفاق العلم في عمق المحيط

في عرض المحيط الهادئ، بعيدًا عن اليابسة والضوضاء، تتحرك منصة بحثية فريدة تُعرف باسم فليب (FLIP)، لكن ما يميزها ليس فقط مهامها العلمية، بل تصميمها الاستثنائي الذي يخالف كل ما نعرفه عن السفن والمنشآت البحرية.

هذه المنصة ليست كغيرها؛ فهي تبدأ رحلتها على شكل سفينة أفقية عادية، تُسحب بوساطة قاطرة إلى موقع البحث المطلوب. وما إن تصل إلى وجهتها، حتى تبدأ عملية مذهلة: تمتلئ خزاناتها الخلفية بالمياه بشكل متوازن ومدروس، فتبدأ بالانقلاب تدريجيًا لتتحول خلال أقل من نصف ساعة إلى برج عمودي شامخ يغوص معظمه تحت سطح البحر، ويبقى جزء بسيط منه ظاهرًا للعيان.

يبلغ طول “فليب” حوالي ١٠٨ أمتار، ومعظم وزنها، الذي يصل إلى حوالي ٧٠٠ طن، يتركز في القسم المغمور بالماء، ما يجعلها مقاومة للحركة الناتجة عن الأمواج والتيارات. هذا الاستقرار غير المألوف يمنح العلماء فرصة نادرة للعمل في بيئة بحرية هادئة، حتى في ظل ظروف جوية صعبة.

ولا تحتوي “فليب” على أي نظام دفع أو محركات، فهي مصممة لتُسحب فقط، لتقوم بعدها بدورها العلمي الفريد. تستخدم المنصة لإجراء أبحاث دقيقة في مجالات عدة، مثل الصوتيات البحرية، وتحليل الأمواج، ودراسة التيارات المحيطية، وحتى التغيرات المناخية.

إنها ليست مجرد قطعة حديد طافية، بل تجسيد حي لعبقرية الإنسان وقدرته على تحويل الأفكار الجريئة إلى واقع. “فليب” لا تبحر فحسب، بل تنقلب لتفتح أعماق البحار أمام العلم، وتؤكد أن الابتكار لا حدود له، حتى وسط أمواج المحيط العاتية.

زر الذهاب إلى الأعلى