
منذ عودته إلى البيت الأبيض، أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب جدلاً واسعًا بسبب سياساته التوسعية وتصريحاته المثيرة للجدل. هذه السياسات، التي يسعى من خلالها إلى تعزيز النفوذ الأميركي على الصعيد الدولي، تأتي في وقت يعاني فيه العالم من توترات سياسية واقتصادية مستمرة. ويُخشى أن هذه الإجراءات قد تُفاقم التوترات الدولية وتُؤثر سلبًا على الاستقرار العالمي، حيث تحمل في طياتها تهديدًا واضحًا للتوازن القائم بين الدول الكبرى. ترامب، الذي سبق له أن تبنى سياسة “أمريكا أولاً” أثناء ولايته الأولى، يواصل تنفيذ رؤيته التي ترى في الولايات المتحدة القوة الكبرى التي يجب أن تهيمن على الساحة الدولية وتفرض إرادتها على باقي الدول.
تغيير اسم خليج المكسيك: خطوة استفزازية
وفي خطوة مثيرة للجدل، أعلن ترامب عن نيته تغيير اسم “خليج المكسيك” إلى “خليج أميركا”. وفي وقت لاحق، أُحدث التغيير فعلاً على خرائط جوجل ليظهر اسم “خليج أميركا” للمستخدمين الأميركيين. لكن هذه الخطوة أثارت استياء على مستوى عالمي، حيث بقي اسم “خليج المكسيك” كما هو في خرائط جوجل للمستخدمين من خارج الولايات المتحدة، ما يعني أن الناس في المكسيك وكوبا وغيرهما من الدول التي تطل على الخليج لا يزالون يرون الاسم الأصلي. البعض يرى أن هذا التغيير يعكس محاولة من ترامب لفرض الهيمنة الأميركية على مناطق متعددة، وهو ما يُعتبر تهديدًا لسيادة الدول الأخرى. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة قد لا تكون ذات تأثير كبير من الناحية الجغرافية أو السياسية، إلا أنها أظهرت مدى استعداد ترامب لتجاوز الأعراف الدولية من أجل تعزيز هوية الولايات المتحدة في الساحة العالمية. كما أن ردود الفعل الغاضبة من الدول المجاورة تكشف عن مدى الاستفزاز الذي أثارته هذه التصريحات. إذا كان التغيير مجرد بداية، فإن العديد من المراقبين يتساءلون ما الذي سيقدم عليه ترامب لاحقًا، ومدى تأثير هذه السياسات التوسعية على العلاقات الدولية.
فرض رسوم جمركية على كندا: تهديد بالضم
أعلن ترامب مؤخرًا عن فرض رسوم جمركية “صارمة للغاية” على كندا، وهو ما دفعه إلى الإشارة إلى إمكانية استخدام “القوة الاقتصادية” للضغط على كندا بهدف ضمها لتصبح الولاية الأميركية الـ ٥١. هذه التصريحات جاءت في سياق النزاع التجاري المستمر بين البلدين، حيث استهدفت الرسوم الأميركية منتجات كندية مهمة مثل الألمنيوم والخشب. ترامب صرح بأن “اندماج كندا والولايات المتحدة سيكون خطوة إيجابية” من الناحية الاقتصادية والجيوسياسية، معتبرًا أن هذا الانضمام سيعزز العلاقات بين البلدين. هذا التصريح أثار استياء الحكومة الكندية التي أكدت على سيادة بلادها ورفضت أي محاولات لضمها. رئيس الوزراء الكندي الأسبق جاستن ترودو كان من بين أول من عبر عن رفضه القاطع لهذه التصريحات، مؤكداً أن كندا هي دولة ذات سيادة ولن تكون جزءًا من الولايات المتحدة. الردود على هذا التصريح تشير إلى أن ترامب يستخف بالعلاقات الثنائية بين البلدين، وأن مثل هذه السياسات قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على التعاون الاقتصادي بين الجارتين.
الاهتمام بغزة: غموض الأهداف
وفي خطوة غير متوقعة، أبدى ترامب اهتمامًا مفاجئًا بقطاع غزة، دون أن يوضح بشكل دقيق أهدافه أو استراتيجيته تجاه هذه المنطقة. من المعروف أن قطاع غزة يشهد توترات مستمرة بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية من جهة، والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى. جاء الاهتمام الأميركي بغزة وسط أزمات إنسانية حادة، ولكن دون أي خطة واضحة للسلام أو معالجة النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. هذه التصريحات أدت إلى تساؤلات عديدة حول نوايا ترامب في المنطقة. هل تسعى الولايات المتحدة لتحقيق مصالح استراتيجية جديدة في غزة؟ هل هذا الاهتمام نابع من رغبة في تغيير مسار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أم أنه مجرد محاولة لتحسين صورة الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط؟ في غياب استراتيجية واضحة، تظل هذه التصريحات محط تساؤل ونقد من قبل المجتمع الدولي الذي يراقب تطورات الأوضاع في المنطقة عن كثب.
محاولة شراء غرينلاند: طموحات إمبريالية
وأعاد ترامب إحياء رغبته في شراء جزيرة غرينلاند، التابعة لمملكة الدنمارك، رغم الرفض القاطع الذي لقيه من السلطات الدنماركية والغرينلاندية. في تصريحاته، اعتبر ترامب أن السيطرة على غرينلاند ضرورية للجهود العسكرية الأميركية، التي تشمل تعقب السفن الصينية والروسية المنتشرة في أنحاء متعددة من العالم. وقد وصف ترامب غرينلاند بأنها “موقع استراتيجي بالغ الأهمية”، لكن رد الفعل في الدنمارك كان عنيفًا، حيث أكد المسؤولون الدنماركيون أن غرينلاند ليست للبيع، وأصروا على أن مستقبل الجزيرة يجب أن يُحدَّد من قبل سكانها المحليين فقط. هذه القضية أثارت الجدل على مستوى العالم، حيث رأى البعض أن محاولات ترامب للسيطرة على غرينلاند هي جزء من طموحات إمبريالية جديدة تسعى لتوسيع نفوذ الولايات المتحدة في مناطق لم تكن تحت سيطرتها من قبل. الموقف الدنماركي الرافض يعكس مدى تمسك الدول بسيادتها واستقلالها في مواجهة الضغوط الأميركية.
التهديد بالسيطرة على قناة بنما: انتهاك للسيادة
وعلى صعيد آخر، هدد ترامب باستخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية للسيطرة على قناة بنما إذا لم تُخفَّض الرسوم المفروضة على السفن الأميركية. يُعتبر هذا التهديد انتهاكًا صريحًا لسيادة بنما، التي تُدير القناة منذ عام ١٩٩٩ بعد أن كانت تحت السيطرة الأميركية منذ بنائها في أوائل القرن العشرين. قناة بنما تُعتبر أحد أبرز الممرات البحرية الحيوية التي تربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، ولذلك فهي تعد شريانًا اقتصاديًا هامًا بالنسبة للعديد من دول العالم، وخاصة الولايات المتحدة. هذا التهديد قد يثير ردود فعل غاضبة من بنما والمجتمع الدولي، حيث يُعتبر التدخل في شؤون قناة بنما تجاوزًا للاتفاقيات الدولية التي أُبرمت بعد استعادة بنما السيطرة على القناة. الحكومة البنمية عبَّرت عن رفضها التام لهذا التهديد، مؤكدة أن القناة هي ملك للشعب البنمي وأن أي محاولة للضغط عليها ستكون غير مقبولة.
إجبار أوكرانيا على سداد الديون: ضغوط غير مبررة
ومارس ترامب ضغوطًا متواصلة على أوكرانيا لسداد ديونها للولايات المتحدة، رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد نتيجة الصراع المستمر مع روسيا. هذه الضغوط تأتي في وقت يعاني فيه الشعب الأوكراني من آثار الحرب على جبهات متعددة، بما في ذلك النزوح والدمار الاقتصادي. تجاهل ترامب هذه الظروف الصعبة في مطالبة أوكرانيا بتسديد ديونها، مما أثار انتقادات واسعة من قِبَل المنظمات الإنسانية والدول التي تدعم أوكرانيا في هذا الصراع. في ظل الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعيشها أوكرانيا، فإن هذه الضغوط قد تُفاقم من معاناة الشعب الأوكراني وتزيد من صعوبة إدارة الحكومة للأزمات الداخلية. كما أن الضغط الأميركي قد يؤثر على موقف أوكرانيا تجاه الدول الغربية، التي قد ترى في هذه الخطوة محاولة لتقويض استقلالية البلاد وتعزيز النفوذ الأميركي في شؤونها الداخلية.
الى متى سيستمر ترامب في تصرفاته وكأن العالم ملعبه الخاص؟
هذه السياسات التوسعية التي يتبناها ترامب تثير تساؤلات عميقة حول حدود تدخلاته في الشؤون الدولية. فهل سيستمر في سعيه لتحويل العالم إلى ملعبه الخاص؟ هل ستظل هذه التصرفات دون محاسبة؟ إن استمراره في هذه السياسات قد يعرض العالم لمزيد من التوترات، مما يزيد من احتمال نشوب صراعات قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات للحد من هذه التصرفات. العالم في مفترق طرق، والوقت وحده سيكشف ما إذا كانت هذه السياسات ستظل دون رد فعل قوي من المجتمع الدولي أم سيجد ترامب نفسه في مواجهة عواقب هذه التوجهات التوسعية.
ا.ن